الطاقة الشمسية والريادة الإماراتية
قبل أكثر من عشرين عاماً، برزت تطورات علمية حول تطوير الطاقة الشمسية، مما أدى إلى طرح تساؤلات عديدة حول العمر الزمني لعصر النفط وحلول عصر الطاقة الشمسية، حيث تفاوتت وجهات النظر حول مدى استفادة البلدان المنتجة للنفط من مصدر الطاقة الجديد وعلاقته بالطاقة الهايدروكربونية.
الإجابة جاءت بعد هذه الفترة الزمنية من أبوظبي، إذ يبدو أن المعادلة الخاصة بالتوفيق ما بين مصادر الطاقة وتسخيرها لخدمة التنمية، قد حلت من خلال الاستفادة من الثروة البترولية لتطوير مصادر الطاقة البديلة، وبالأخص الطاقة الشمسية، فقد قررت حكومة أبوظبي تشييد محطة ضخمة لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية باستثمارات قدرها 350 مليون درهم، وستكون الأولى من نوعها في أكبر منطقة مصدرة للنفط في العالم.
من ناحية مبدئية، يُتوقع أن يبدأ العمل في بناء هذه المحطة عام 2009 لتقوم بإنتاج 500 ميجاواط لتوفر الكهرباء لعشرة آلاف وحدة سكنية في العاصمة أبوظبي.
يُعتبر ذلك تحولاً استراتيجياً مهماً للغاية وذا أبعاد اقتصادية وبيئية كبيرة، فحتى الآن تقوم دول مجلس التعاون الخليجي بإنتاج الطاقة الكهربائية باستخدام الغاز الطبيعي بصورة أساسية واستخدام الديزل بصورة أقل، حيث تبلغ تكلفة إنتاج الكيلوات/ ساعة 8 سنتات باستخدام الديزل و7 سنتات ونصف باستخدام الغاز الطبيعي، حيث تعتبر هذه التكلفة مرتفعة إذا ما قورنت باستخدام الفحم بتكلفة 2.21 سنت والطاقة الذرية بتكلفة 1.27 سنت.
ومع أن تكلفة إنتاج الكيلوات/ ساعة باستخدام الطاقة الشمسية لا زال مرتفعاً، ويتفاوت وفق حجم المحطة والتقنيات المستخدمة فيها، فإن هذا النوع من الطاقة الكهربائية مرشح لأن يكون أحد أهم مصادر الطاقة الرخيصة نسبياً في المستقبل.
من هذا المنطلق يعتبر توجه أبوظبي لإقامة محطة من هذا النوع توجهاً مستقبلياً صحيحاً ومهماً، إذ أن ذلك سيؤدي إلى توطين هذه التكنولوجيا المتقدمة في دولة الإمارات وإعداد الكفاءات البشرية القادرة على تشغيلها والتعامل معها، مما سيخلق مع مرور الزمن قاعدة علمية لإنتاج الطاقة الشمسية المعدة لمختلف الاستخدامات.
أهمية هذا التوجه تنبع أيضاً من الطلب المتزايد على الطاقة الكهربائية في دول مجلس التعاون، وبنسبة كبيرة تبلغ 10% سنوياً في المتوسط، وهي واحدة من أعلى معدلات النمو في العالم، أي تضاعف الطلب كل عشر سنوات تقريباً، حيث يعكس ذلك سرعة النمو الاقتصادي والسكاني في هذه البلدان.
بجانب ذلك، فإنه يمكن استخدام الطاقة الشمسية في تحلية المياه، مصدر المياه الرئيسي الذي تعتمد عليه دول مجلس التعاون، وبصورة شبه كاملة في بعض البلدان، حيث يتضاعف الطلب عليها بنفس نسبة تنامي الطلب على الطاقة الكهربائية تقريباً.
إذن هناك فوائد اقتصادية وبيئية كبيرة ستنجم عن هذا التوجه الذي تقوده دولة الإمارات وأبوظبي تحديداً، فمصادر الطاقة الشمسية في منطقة الخليج متوفرة بنفس الكثافة التي تتوفر بها مصادر النفط والغاز الطبيعي، مما يؤهل دولة الإمارات ودول مجلس التعاون للتحول إلى مركز عالمي لإنتاج وتصدير مصادر الطاقة البديلة والملائمة للبيئة. إذ أن الأمر هنا لا يتوقف على توفر الطاقة الشمسية التي يمكن الحصول عليها بكثافة في مناطق عديدة من العالم فحسب، وإنما في توفر الاستثمارات اللازمة لتطوير مصادر هذه الطاقة، والتي تحتاج إلى رؤوس أموال كبيرة وتكنولوجيا متطورة.
توجه وريادة جديدان في المنطقة تقودهما دولة الإمارات ممثلة في برنامج أبوظبي للطاقة الشمسية، والذي يمكن أن يتحول إلى برنامج كبير ومتكامل لدول مجلس التعاون الخليجي، خصوصاً وأن هناك ربطاً كهربائياً بين دول المجلس، يتوقع أن يمتد ليشمل دولاً أخرى في المنطقة.
ربما لا نستغرب مستقبلاً إذا ما رأينا شمس أبوظبي تنير العديد من المدن وتشغل المرافق العامة والمؤسسات الاقتصادية في بلدان أخرى، مثلما شكلت الثروة النفطية المصدر الأساسي للطاقة بعد الحرب العالمية الثانية، والتي على أساسها تمت إعادة بناء أوروبا وإحداث قفزات تكنولوجية وحضارية في مختلف بلدان العالم.